الرئيسية لقاءات بيرزيت القانونية اقتصاد السوق الاجتماعي – بديل آخر أم نظام رأسمالي رحيم؟

اقتصاد السوق الاجتماعي – بديل آخر أم نظام رأسمالي رحيم؟

 
 
ضمن فعاليات اختتام دورة 2008-2009 من سلسلة لقاءات معهد الحقوق القانونية، استضاف معهد الحقوق وبالتعاون مع كلية الحقوق والإدارة العامة كل من البروفيسور المساعد ماركوس ماركتانر، برفيسور الاقتصاد المالي والخبير القانوني في الجامعة الأمريكية في بيروت، وميسر اللقاء رئيس دائرة المحاسبة في كلية التجارة والاقتصاد في جامعة بيرزيت الدكتور نصر عبد الكريم.
 
افتتح الدكتور عبد الكريم اللقاء مرحباً بالبروفيسور الضيف وبوفد كونراد أديناور عمان-الأردن وبجمهور الحاضرين، مؤكداً على أهمية وحيوية موضوع اللقاء وخصوصاً في ظل الأزمة الاقتصادية العالمية الراهنة. بدوره عبر البروفيسور ماركوس عن سعادته لزيارة جامعة بيرزيت والالتقاء بطلبة الجامعة مشيراً إلى أن هذا اللقاء عبارة عن فرصة مناسبة للنظر في طبيعة اقتصاد السوق الاجتماعي. ابتدأ الضيف محاضرته بطرح جملة من الأسئلة الجوهرية "هل اقتصاد السوق الاجتماعي – بديل آخر أم نظام رأسمالي رحيم؟" ولماذا يكون اقتصاد السوق الاجتماعي بديلاً أفضل عن الاشتراكية والليبرالية الجديدة؟ وماذا نريد لتطبيق اقتصاد السوق الاجتماعي على أرض الواقع؟
 
ومن أجل السعي وراء بلورة إجابة للأسئلة محل اللقاء، وضح البروفيسور الضيف أنه وعلى الرغم من التاريخ الطويل لمواثيق وقوانين الاقتصاد إلا أن مفهوم اقتصاد السوق الاجتماعي ما زال موطن خلافات وارتباكات جوهرية، لأن هذا المفهوم كان دائماً متواجد ولكن مكتنفاً في ظل غيره من الأفكار الكبيرة، مثل الاشتراكية أو الرأسمالية. ومع ذلك، ومع انهيار الاشتراكية وبعد فشل الإصلاحات الاقتصادية التي عكفت الليبرالية الجديدة على إدخالها في التسعينيات خصوصاً بعد فشلها في رفع مستوى جميع الطبقات في داخل المجتمع، يبقى نظام اقتصاد السوق الاجتماعي نموذجاً ذو أهمية متزايدة ويحظى باهتمام من كل من البلدان النامية والبلدان المتقدمة.
 
هذا وقد تناول الضيف أثناء عرضه لمفهوم اقتصاد السوق الاجتماعي، آليات للتمييز بينه وبين غيره من الفلسفات الاقتصادية، ممثلاً عليها بالليبرالية الجديدة من جهة والاشتراكية من جهة أخرى. ومن خلال تحليله لهذه المفاهيم، حاول الضيف أن يظهر أنه وعلى الرغم من أن اقتصاد السوق الاجتماعي يشاطر مخاوف كل من الاشتراكيين من عدم المساواة الاجتماعية ومخاوف الليبراليون الجدد من عدم نجاعة المخصصات ، إلا أن اقتصاد السوق الاجتماعي يفصل نفسه عن كل من هذين النموذجين بصورة كبيرة. هذا وأضاف أن اقتصاد السوق الاجتماعي يغاير توجه كل من الاشتراكيين دعاة مركزية النشاط الاقتصادي، بقدر ما يغاير سعي الليبراليين الجدد لطلب التبعية العمياء لقوى السوق. مبيناً أنه وضمن مفهوم اقتصاد السوق الاجتماعي كل من المساواة والكفاءة ليست من بين البدائل التي يجب على المجتمعات أن تختار في ما بينها بل على العكس كل منهما يكمل بعضها بعضاً.
 
كما وألقى المتحدث الضوء على كل من فكرة الليبرالية والاشتراكية، مبيناً أنه وفي حين أن الاشتراكية تقوم على أساس إعادة التوزيع إلا أنها تفتقر لنظرية التخصيص، في حين أن الليبرالية الجديدة وعلى الرغم من أنها نظرية تعتمد على التخصيص إلا أنها كذلك الحال غير كاملة فهي تفتقر لنظرية إعادة التوزيع. وبالمقابل يتصف نظام اقتصاد السوق الاجتماعي بالكفاءة والموازنة، لأنه يرتقي ليجمع في ما بين النموذجين، فنظرية اقتصاد السوق الاجتماعي تعتمد وبشكل أساسي على الجمع ما بين نظرية كفاءة السوق والعدالة الاجتماعية، والتي لتحقيقها لا بد من قيام الدولة بدور محدد لخلق نظام اقتصادي-اجتماعي معين ومحدد.
 
وقدم المتحدث استنتاجاً هاماً مؤداه أنه: "وعلى الرغم من أن اقتصاد السوق الاجتماعي قام بوضع المبادئ الرئيسية للسياسة الاقتصادية، إلا أن العديد من الدول قامت بإغفالها، وبالنتيجة غرقت بأزمات عديدة كان من الممكن تلافيها"، ممثلاً على ذلك بالأزمة العالمية الراهنة، وبرأيه يكمن الحل بالالتزام والتقييد بمبادئ اقتصاد السوق الاجتماعي لتصحيح هذه الأخطاء قبل فوات الأوان ليس فقط لإحلال الاستقرار، بل أيضاًً لتجنب أزمات مستقبلية.
 
وفي الختام قدم المتحدث الضيف إجابة للسؤال المطروح "هل اقتصاد السوق الاجتماعي – بديل آخر أم نظام رأسمالي رحيم؟" بأن نظرية "النظام الاقتصادي-الاجتماعي المحدد" تجعل اقتصاد السوق الاجتماعي طريقاً ثالثاً بدلاً من رأسمالية رحيمة. وبالتالي يمكن التعبير عن نظرية اقتصاد السوق الاجتماعي بشكل أفضل، بأنها نظرية اقتصادية -اجتماعية تسعى لجعل مفهوم اقتصاد السوق الاجتماعي طريقاً ثالثاً بدلاً من أن يكون شكلاً رحيماً للنظام الرأسمالي وإن أصح التعبير: "اقتصاد السوق الاجتماعي ما هو إلا نموذج لتحقيق الاستقرار في زمن الأزمات" .