الرئيسية لقاءات بيرزيت القانونية إعلان الاستقلال من طرف واحد: تجربة كوسوفو

إعلان الاستقلال من طرف واحد: تجربة كوسوفو

 
 
تحدث البروفيسور جان كريستوف مارتِن خلال اللقاء القانوني الذي عقد في جامعة بيرزيت بتاريخ 5/5/2010 والذي كان موضوعه عن إعلان الاستقلال من طرف واحد وقد تم الاستفاضة في تجربة كوسوفو، وقد استعرض هذا الموضوع من خلال عدة جوانب حيث أنه بدأ بالطرق والنظريات المؤدية إلى إنشاء دول جديدة ومن ثم استطرد في تجربة كوسوفو من حيث طبيعتها وتطرق لبعض الحقائق القانونية التي تحسم التحليل القانوني لهذه التجربة والتكييف القانوني الدولي لهذه الحالة.

لعل موضوع إعلان الاستقلال من طرف واحد من أهم المواضيع وأكثرها صعوبة حيث أنه يسعى لإيجاد دولة جديدة على أرض واقع وقد تحدث مارتين في ذلك عن مجموعة من النظريات التي ينبثق عنها نشوء دولة ولعل من أهمها نظرية تفكيك الاستعمار وهي التي تبنى في مضمونها على حق الشعوب في تقرير المصير حيث يفترض وجود استعمار وتسعى شعوب تلك المناطق لإزاحة هذا الاستعمار والاستقلال في الدولة ، ومن ثم نظرية انحلال الدولة بحيث تكون هناك دولة قائمة تتحلل إلى مجموعة من الدول ومن الأمثلة عليها الاتحاد السوفيتي سابقا، انتقالا إلى نظرية الاندماج والتي تقوم من خلال قرار انضمام دولتين لتصبحان دولة واحدة أو ضم دولة إلى دولة أخرى، وصولا إلى النظرية الأخيرة والتي تتحدث في مضمونها عن الانفصال والانشقاق بحيث يكون هناك طرف من سكان دولة يحاول أن ينشق ليخلق دولة مستقلة أو ينضم إلى أخرى وهذه الحالة ممنوعة قانونا من خلال النظر إلى مبدأ دولي وهو سلامة أراضي الدولة ولكن في حال نجاحها يتم الاعتراف بها .

وخلال استعراض حالة كوسوفو أضاف مارتين قائلا بأن كوسوفو خاضعة لسيادة صربية اتخذت من الانشقاق طرقا لها للحصول على الاستقلال وتعتبر قضيتها شائكة قانونا حيث أن صربيا عارضت هذا الانقسام. وينتظر في شهر تموز من هذا العام رأي محكمة العدل الدولية في لاهاي الاستشاري حول هذا الإعلان أحادي الجانب، وقد قدم مارتين بعض الحقائق التي يمكن لها أن تحسم التحليل القانوني لهذا الانفصال ومن هذه الحقائق: إعلان المؤسسات في كوسوفو الانفصال عن صربيا إعلان أحادي الجانب. إضافة إلى أن كوسوفو تعتبر مقاطعة مستقلة لها ميزاتها الخاصة حيث أن معظم سكانها لهم جذور ألبانية. كما أن هناك حركة برزت وطالبت باستقلال كوسوفو عن صربيا ولكن السلطات الصربية رفضت ذلك وواجهته بالقوة وقد تم محاولة قمع هذه الحركة بوحشية وارتكب خلالها جرائم حرب. والذي أدى إلى تدخل قوات الحلف الأطلسي بعملية عسكرية تمت دون موافقة مجلس الأمن والتي كانت نتيجتها فرض توقيع اتفاقية سلام من الصرب، وهذا ما فتح المجال أمام العالم لوضع إدارة مؤقتة تدير شؤون كوسوفو وهي إدارة دولية ومن خلالها تم إنشاء قوة مدنية وتكون الصلاحيات التشريعية تابعة للإدارة المدنية وللأمين العام للأمم المتحدة. ومن الحقائق التي عقدت الحالة الكوسوفية أكثر مشكلة التمثيل الخارجي لكوسوفو وكذلك وجود مؤسسات صربية داخل كوسوفو ولربما كان هذا من أدعى الأسباب لوجود تباين واضح بين دول العالم في اتخاذ قرارها بالاعتراف بهذا الإعلان أحادي الجانب حيث أن ثلث العالم اعترف بإعلان كوسوفو. وكان من أهم النقلات النوعية لكوسوفو أن أصبحت عضوا كاملا في البنك الدولي وهذا ما حقق لها ميزة اقتصادية عالمية.

وحول الموقف القانوني الدولي العام من هذا الإعلان تتطرق إلى مسألة حق الشعوب في تقرير المصير حيث أن هناك عدد من النظريات في هذا الجانب وقد اتخذ مثالا حالة تيمور الشرقية وانشقاقها عن اندونيسيا حيث اعتمدت حق الشعب في تقرير المصير واعتبارها منطقة لا يوجد فيها حكم ذاتي وهذا ما لا يوجد في حالة مثل حالة كوسوفو ، ولمعالجة حالة كوسوفو كان لابد من تنظيم استفتاء حول تقرير المصير تحت رعاية ومظلة الأمم المتحدة ولكن كوسوفو في هذا الإعلان قامت بفرض نفسها على شعب دون استشارته، ولدى استعراض فيما إذا كانت كوسوفو قد قامت بممارسة حقها بهذا الإعلان أحادي الجانب أو أن هناك أساس قانوني له قيل في ذلك أن ليس هناك قانون دولي ثابت يمنع كوسوفو من الاستقلال وفي ذات الوقت لا يمكن لنا قياس حالة كوسوفو على أي حالة أخرى من حالات إعلان الدولة حيث أن كل حالة لها وجهة نظر خاصة في إعلانها.

وفي انتقال مارتين لاستعراض القرار رقم 1244 عالجه بكثير من الغرابة حيث أنه قال أن هذا القرار ينطوي على كثير من التعارض والازدواجية حيث أن هذا القرار لا يطرح أفق قانوني ولم يكن واضح في محتواه ولدى استعراضه لهذا القرار، قال بأن القرار أكد على أن حل مشكلة كوسوفو يجب أن يعتمد مبدأ سلامة أراضي الدولة. ومن ناحية أخرى ذكر بأن القرار أكد في الفقرة 11 منه أنه يجب الأخذ بعين الاعتبار رغبة الشعب بالاستقلال وهو ما يفتح الباب واسعا أمام إجراء استفتاء.

وتم التطرق إلى الآراء القانونية حول هذا الإعلان حيث أن هناك من اعتبر وجود الإدارة المؤقتة هي مرحلة انتقالية لتشريع الإعلان الأحادي الجانب وعدم اعتباره انشقاق، وعليه حرمت صربيا من الحفاظ على كوسوفو داخل إقليمها، وهذا الانقطاع بالإدارة يمنع الطعن مستقبلا بإعلان كوسوفو أحادي الجانب. وهناك رأي آخر يرى بأن القرار 1244 لا يمنع صربيا من المطالبة بتطبيق مبدأ سلامة أراضيها وأن الإعلان لا أساس قانوني له ومتعارض مع القانون الدولي. أما عن وضعية دولة كوسوفو الحالية فهي في مرحلة تبلور هوية الدولة، حيث أنه لا يمكن العودة إلى الوراء لأنه قد يؤدي إلى دمار ويؤيد ذلك أن المبادئ في شأن إنشاء دول دائما ما تسعى إلى تثبيت الأمر الواقع .
وفي نهاية اللقاء تحدث حول التأثيرات الناتجة عن القرار الاستشاري الصادر من المحكمة في قبولها لإعطاء الاستشارة مشيرا إلى إمكانية إحجامها عن تقديم جواب شافي قاطع، وتابع قائلا في التأثيرات أنه يمكن إرساء مبادئ جديدة حول نشوء الدول.  وفي حال اعتماد الإعلان وخصوصا إذا اعتبرنا أن هذا الإعلان جاء بعد التدخل العسكري المباشر من قوات حلف الأطلسي فهو انتهاك واضح لقواعد القانون الدولي.