الرئيسية مؤتمرات المرأة والدستور: منظومة الأحوال الشخصية والقضاء الشرعي

المرأة والدستور: منظومة الأحوال الشخصية والقضاء الشرعي

بيرزيت في 15 يونيو/ حزيران 2015: نظم معهد الحقوق في جامعة بيرزيت وبدعم من الممثلية الدنماركية في الأراضي الفلسطينية مؤتمراً بعنوان: "المرأة والدستور: منظومة الأحوال الشخصية والقضاء الشرعي"،

 في سياق اختتامه لنشاطات "مشروع الدستور والتعددية القانونية: الوصول إلى المعلومات حول حقوق المرأة"، وذلك بمشاركة الشيخ صالح أبو زيد قاضي المحكمة العليا الشرعية، والقاضي صمود الضميري رئيس نيابة الأحوال الشخصية، بالإضافة إلى حضور أكاديميين ومحامين وممثلين عن مؤسسات المجتمع المدني. وقد جرى تناول موضوعات المؤتمر في ثلاث جلسات رئيسية، بحثت الجلسة الأولى الدور المحتمل للمحكمة الدستورية في الموازنة بين الأحكام الموضوعية للحقوق والحريات ونصوص الأحوال الشخصية والقضاء الشرعي. واستعرضت الجلسة الثانية التطورات الوطنية والإقليمية التي طرأت على منظومة الأحوال الشخصية في الآونة الأخيرة، أما الجلسة الثالثة، فبحثت في واقع منظومة الأحوال الشخصية والقضاء الشرعي وآفاق تطورها المأمولة.

في الافتتاح، رحب د.غسان فرمند مدير معهد الحقوق بالقاضي صالح أبو زيد، والقاضي صمود الضميري، لحضورهم ومشاركتهم في المؤتمر، معرباً في الوقت ذاته عن شكره وامتنانه للمشاركين والحضور الكرام. ومؤكداً على أهمية الشراكة بين قطاعات العدالة المختلفة ومعهد الحقوق في نقاش موضوعات الأحوال الشخصية والقضاء الشرعي، بالنظر إلى تأثير هذه الموضوعات في قطاعات عريضة من المجتمع الفلسطيني. وأشار د.فرمند إلى أهمية المؤتمر، خاصة وأنه يأتي في سياق العديد من التغييرات الإيجابية التي طرأت على القضاء الشرعي في الآونة الأخيرة، وأهمها تعيين قاضي قضاة جديد لإدارة القضاء الشرعي في فلسطين. وفي ختام كلمته أعرب د.فرمند عن أمله في تحقيق المؤتمر لأكبر فائدة ممكنة وفي إثراء النقاش حول موضوعاته.

في الجلسة الأولى، استهل د.فراس ملحم مداخلته، والتي جاءت بعنوان: "دور المحكمة الدستورية في الموازنة بين الأحكام الموضوعية لحقوق الإنسان ونصوص الأحوال الشخصية"، بالإشارة إلى أهمية الرقابة القضائية على دستورية القوانين في حماية حقوق الإنسان وإرساء مبدأ المشروعية، ثم تطرق إلى عرض مختصر حول اختصاص المحكمة الدستورية في فلسطين، وقال: "أن من اختصاص هذه المحكمة النظر في الطعون الدستورية المقدمة في القوانين واللوائح وغيرها من القرارات، كأحكام المحاكم الشرعية". وأشار في هذا السياق، إلى أن السياسة الغالبة للمحاكم الدستورية العربية تركز على الإجراءات الشكلية لرفض الطعون الدستورية المقدمة في نصوص وأحكام الأحوال الشخصية. وذلك على عكس القضاء الدستوري في مصر، حيث تبنى آلية للموازنة بين النصوص الدستورية الناظمة للحقوق والحريات ونصوص الأحوال الشخصية، تعتمد على التفرقة بين الأحكام الكلية والأحكام الجزئية للشريعة الإسلامية.

من جانبه، استهل أ.محمد الخضر مداخلته بعنوان: "القيم الدستورية وحقوق الإنسان ومبادئ الشريعة الإسلامية" بعرض المفهوم المختلف و"المتناقض جوهرياً" لكل من القيم الدستورية وحقوق الإنسان من جهة، ومبادئ الشريعة الإسلامية من جهة أخرى، مشيراً إلى مفهوم عددٍ من القيم الأساسية في الأنظمة الديمقراطية الحديثة، مثل: الحرية والمساواة والكرامة الإنسانية، وسيادة القانون والديمقراطية...، وتحدث عن حالة عدم الوضوح في علاقة هذه المفاهيم وصعوبة الجمع بينها، مشيراً في الوقت ذاته إلى وجود تفسيرات ووجهات نظر مختلفة حول علاقة هذه المفاهيم ببعضها البعض.

وفي ختام الجلسة قدمت أ.عبير درباس مداخلة بعنوان: "طبيعة العلاقة بين المحاكم الشرعية والمحاكم النظامية من الناحية الإدارية"، تطرقت فيها إلى الحديث عن بنية القضاء الشرعي وتشكيله وصلاحياته واختصاصاته وتطوره التاريخي، كما تعرضت إلى بعض إشكاليات العلاقة بين القضاء الشرعي والقضاء النظامي، وبخاصة فيما يتعلق بحجية أحكام المحاكم الشرعية أمام المحاكم النظامية.

في الجلسة الثانية، استهل القاضي صالح أبو زيد مداخلته، والتي جاءت بعنوان: "التطورات في مفارقات الزواج في فلسطين: الخلع والتفريق للنزاع والشقاق مثالاً"، بشكر معهد الحقوق على استضافته، مثمناً علاقة القضاء الشرعي مع المعهد ومثنياً عليها، ثم انتقل للحديث عن التطور الذي أحدثه القضاء الشرعي في منظومة الأحوال الشخصية، من خلال إصداره لتعميم الخلع القضائي والتعميم الخاص بدعوى التفريق للنزاع والشقاق سنة 2012، حيث خفف هذين التعميمين العبء الملقى على المرأة في المحاكم الشرعية، فمن خلال التعميم الأول، أصبح بإمكان الزوجة غير المدخول بها التقدم بدعوى الخلع القضائي، ومن خلال  الآخر، أصبح من السهل إثبات التفريق للنزاع والشقاق بترك مساحة للقاضي باستعمال سلطته التقديرية بعد أن كان مقيداً بقبول وسائل إثبات محددة لإثبات النزاع والشقاق المستحكم بين الزوجين. وفي ختام مداخلته عبر أبو زيد عن أمله في إحداث مزيد من التطورات في مشروع قانون الأحوال الشخصية على أن يحظى المشروع بنقاش مجتمعي واسع.

ومن جهته، استهلت القاضي صمود الضميري مداخلتها بعنوان: "واقع منظومة الأحوال الشخصية والتطورات المأمولة من وجهة نظر نيابة الأحوال الشخصية"، بعرض مفهوم الحق العام الشرعي، وتطوره، كما عرضت لتاريخ نشأة نيابة الأحوال الشخصية في فلسطين، ثم انتقلت في حديثها إلى الجمود الذي يحف منظومة الأحوال الشخصية نتيجة لاختلاف وجهات النظر حولها، ونتيجة لتعطل المجلس التشريعي بعد الانقسام، مشيرة إلى دور المجلس الأعلى للقضاء الشرعي في مواجهة هذا الجمود، وذلك من خلال إصدار التعاميم، ومن خلال توسع المحاكم الشرعية في تفسير نصوص قانون الأحوال الشخصية.

من جانبها قدم د.محمود دودين، مداخلة بعنوان: "التطورات والاتجاهات المقارنة في التعامل مع مسائل الأحوال الشخصية"، استعرض فيها التطورات التي لحقت بقوانين الأحوال الشخصية في الدول العربية، مقارناً بين وضع هذه القوانين قبل الربيع العربي وبعده، مؤكداً على أن الوضع لم يتغير، بل انتقل إلى وضع أسوء مما كان عليه، باستثناء دول المغرب العربي "تونس والمغرب"، فلم يتم رفع سن الزواج على سبيل المثال، بل إن بعض الدول ذهبت إلى جعل السن أقل مما كان عليه قبل ثورات الربيع العربي.

وفي مداخلتها بعنوان: "تطور قوانين الأحوال الشخصية في الأراضي الفلسطينية المحتلة سنة 1948"، استعرضت أ.هدى روحانة، الإطار القانوني الناظم لمسائل الأحوال الشخصية داخل الخط الأخضر، كما استعرضت خريطة القضاء الشرعي هناك، مشيرة إلى وجود محاكم شرعية، ومحاكم العائلة، وأوضحت أن كلتاهما تنظر قضايا ومنازعات الأحوال الشخصية، كما تطرقت إلى الإشكاليات التي تواجه فلسطينيي الداخلي في تعامل إسرائيل معهم، إذ أبقت الأخيرة على التشريعات الخاصة لكل طائفة دون أن تعمل على تحديثها.

في الجلسة الثالثة والأخيرة، استهلت أ.لونا عريقات مداخلتها والتي جاءت بعنوان: "المرأة والميراث: الواقع والتطورات"، بعرض مفهوم الحق في الميراث مع التركيز على مدى تمتع المرأة الفلسطينية بهذا الحق، وبدأت مداخلتها بالحديث عن أهمية حصول المرأة على حقها بالميراث، والإطار القانوني الناظم لهذا الحق، ثم انتقلت إلى بيان أهم المعيقات التي تواجه النساء في تحصيلهم لحقهم بالميراث، سواءً المعيقات الاجتماعية أو القانونية أو القضائية، والتي تؤدي في نهاية المطاف إلى حرمان المرأة من حقوقها الإرثية، وفي ختام مداخلتها طرحت الأستاذة عريقات مجموعة من التوصيات، من أجل حماية حق المرأة في الميراث، بدءاً بتجديد الإطار القانوني، مروراً بالتوعية الاجتماعية، وانتهاءً بالإطار التنظيمي، بهدف إيجاد دائرة متخصصة لمتابعة المعاملات الإرثية.

من جانبها، استهلت د.إكرام القيسي مداخلتها، والتي جاءت بعنوان: "نفقة الزوجة والصغار"، بعرضها لمفهوم النفقة بشكل عام، وما تشتمل عليه النفقات، سواءً نفقة الزوجة ونفقة الصغار، ثم تطرقت إلى واقع النفقات في المحاكم الشرعية، وأشارت في هذا الصدد إلى عدم ملائمة المبالغ المحكوم بها كنفقة للزوجة أو الصغار للعصر الحالي ومتطلبات العيش فيه، موصية بضرورة إعادة النظر في الاحتياجات التي تشتمل عليها النفقة لجعلها أكثر ملائمة لغلاء المعيشة السائد.

 واستهلت الأستاذة ريم البطمة مداخلتها، والتي جاءت بعنوان: "وصول المرأة إلى العدالة في المحاكم الشرعية"، باستعراض النسب الكمية لوصول النساء إلى العدالة في المحاكم الشرعية، والصعوبات التي تواجهن في ذلك، كإجراءات المحاكمة المعمول بها، وفي ختام مداخلتها أشارت أ.البطمة إلى تراجع دور الإصلاح العشائري في النزاعات الأسرية لحساب دور القضاء الشرعي.

وفي ختام الجلسة، عرض أ.عمار جاموس مداخلة بعنوان: مفهوم العائلة بين قوانين الأحوال الشخصية والتشريعات الأخرى، تطرق فيها إلى اختلاف وتعدد مفهوم العائلة وأعضائها في المنظومة القانونية الواحدة، وإلى وجود تباين في مفهوم العائلة بين النص والواقع، وأشار إلى أن هذا الأمر من شأنه أن يخلق توترات على أرض الواقع.