مراجعة مشروع الطفل
المحور الأول: مراجعة مشروع قانون معدل لقانون الطفل الفلسطيني رقم 7 لسنة 2004
إن من أهم الأسس التي يقوم عليها أي مجتمع في العالم والذي يوضح مدى تقدمه وتحرره من قيود التخلف والتعسف والتطرف هو الأساس القانوني ونعني به النظام القانوني الذي يقوم عليه هذا المجتمع. وعلى هذا الأساس يبت في الدستور الذي تضعه الدولة كمنار لكل المسارات القانونية والاجتماعية والسياسية في البلد، وأيًا يكن هذا النظام القانوني فان الحكم على مدى تطور وفاعلية وتقدمه هو مدى حمايته وصونه لحقوق الإنسان بشكل عام، وحمايته لحقوق الفئات المستضعفة في المجتمع وبشكل خاص الطفل.
ومنذ قدوم السلطة الفلسطينية عملت على وضع الأسس القانونية لحماية ورعاية الأطفال، إلا أن هذه الحماية قد تباينت وفق المراحل التشريعية التي مر بها الوضع القانوني في فلسطين. وهنا يجب أن نميز بشكل أساسي بين مرحلتين تشريعيتين هما، مرحلة ما قبل العام 2002، حيث لم يكن الأساس الدستوري الحامي لحقوق الطفل الفلسطيني متضح المعالم. والمرحلة الهامة الأخرى هي مرحلة ما بعد العام 2002 أي مرحلة ما بعد وضع القانون الأساسي الفلسطيني، الذي تضمن في طياته العديد من الأسس الدستورية التي تشكل نقلة نوعية في مجال النص على حقوق الطفل وحمايتها. وبعد ذلك توالت القوانين الصادرة عن المجلس التشريعي والتي تنظم حق الطفل، وتوج ذلك بصدور قانون الطفل الفلسطيني رقم (7) لسنة 2004.
ولما كانت فئة الأطفال في فلسطين تشكل نسبة عالية من المجتمع الفلسطيني ولأهمية الدور الذي يلعبونه في رسم مستقبل فلسطين، كان لزاما أن يلقى الأطفال كل الحماية والتقدير وعلى مختلف الأصعدة.
بالرغم من التنظيم التشريعي لحقوق ورعاية الطفل الفلسطيني، وكما اشرنا سابقا، إلا أن هذا الوضع التشريعي خلق مشكلة تتعلق بالأجسام والآليات التنفيذية لحماية ورعاية هذه الحقوق، إلا أن الواقع التشريعي قد يسبب إشكالا قانونيا بإنشاء مثل هذا المجلس لصدور العديد من التشريعات المختلفة التي تنظم عمله. لذا كان ضروريا العمل على تصويب هذا الوضع التشريعي وذلك لتفعيل دور المجلس أو الهيئة التي ستعمل على رعاية حقوق الطفل.
وعليه فان هناك ضرورة لتعديل نصوص قانون الطفل الفلسطيني وعلى وجه الخصوص المادتين (70،71) منه، بحيث تنص مباشرة على إنشاء المجلس أو الهيئة مبينة التشكيل والاختصاصات، وبحيث تحيل إلى بيان آلية العمل والأجسام التنفيذية لها لأنظمة تضعها إدارة المجلس أو الهيئة ويصادق عليها مجلس الوزراء.
يهدف هذا المشروع بشكل أساسي إلى الارتقاء بمستوى أداء المؤسسات الفلسطينية العاملة على رعاية الأطفال في كافة مناحي الحياة، وبما يكفل لهم الحقوق الكاملة التي منحها لهم القانون الأساسي والتشريعات وبشكل يوازي الدور الذي يلعبه الطفل الفلسطيني في مستقبل فلسطين. كما يهدف إلى تفعيل حقوق الطفل الفلسطيني وحمايتها وذلك عن طريق توحيد الجهود والتنسيق بينهما بما يحقق صالح الطفل. كما يهدف بشكل عام إلى إزالة كل أنواع الغموض التشريعي الذي اكتنف موضوع تنظيم هذه الحقوق.
تمحورت خطة العمل على مشروع قانون الطفل في أربعة مراحل, على النحو التالي:
المرحلة الأولى:(المراجعة القانونية):
تمثلت هذه المرحلة بالعمل على مراجعة تشريعية لوضع المؤسسات والهيئات المختصة بمتابعة حقوق الطفل الفلسطيني، وتقوم هذه المرحلة على مراجعة عدد من التشريعات، وبشكل خاص: القانون الأساسي، المراسيم، القوانين، الأنظمة، قرارات مجلس الوزراء.
المرحلة الثانية: (دراسة الواقع العملي):
من خلال هذه المرحلة تم بتحديد الجهات التي تعمل على ارض الواقع في مجال حقوق الطفل، وسواء أكانت هذه الجهات: حكومية، مؤسسات عامة، منظمات أهلية، مؤسسات مجتمع مدني، منظمات دولية.
المرحلة الثالثة:(الدراسات المقارنة)
تمثلت هذه المرحلة بالاطلاع على بعض التجارب العربية والدولية في مجال تنظيم ورعاية حقوق الأطفال، لاستخلاص النماذج التي اتبعت بهذا الخصوص.
المرحلة الرابعة:(مرحلة الصياغة)
بعد استخلاص كل مقومات الصياغة الموضوعية من خلال المراحل السابقة، سنقوم بتفريغ هذه المقومات في وثيقة المشروع لتعديل القانون وستكون على شكل (مسودة أولى للصياغة) وبحيث يتم عرضها من خلال ورشات عمل أو لقاءات مع الجهات المعنية لتلقي الملاحظات حولها.
بعد ذلك ستعاد صياغة المسودة بصورة "صياغة نهائية" وبحيث تكون معدة لعرضها على الجهات الرسمية للقيام باتخاذ الإجراءات المطلوبة من اجل إقرارها ونشرها في الجريدة الرسمية.
المحور الثاني: الإطار القانوني لإنشاء الأجسام الوطنية
يعتبر موضوع إنشاء وتأسيس الأجسام الوطنية أحد أهم الموضوعات الحديثة في علم الإدارة، وفيه تحاول الحكومة الابتعاد عن إتباع المركزية في إدارة شؤون الدولة، لما في ذلك من تحقيق الكفاءة في الإدارة والسرعة في الإجراءات.
وبموجب هذا الأسلوب، تقوم الحكومة بإنشاء جسم ما تعطيه نوعا من الاستقلال الإداري والمالي، وتوكل إليه مسؤولية الإدارة والإشراف على مجال محدد من المجالات العامة في الدولة، سواء منها السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية.
وعلى غرار ما اتبعته الأنظمة القانونية المقارنة، اتجهت إرادة المشرع الفلسطيني إلى خلق جسم وطني، يهدف إلى تحقيق أفضل المستويات الممكنة للحماية والرعاية اللازمة للطفل، ويحرص على تحقيق البناء التربوي والاجتماعي والنفسي السليم له، ليشكل عماد المستقبل الفلسطيني الزاهر والبناء.
جاءت هذه الدراسة لبيان الإطار القانوني لإنشاء مثل هذه الأجسام، من خلال استعراض المحددات القانونية التي نص عليها القانون الأساسي الفلسطيني، وتفصيل الحقوق العامة للطفل الفلسطيني والمؤسسات الوطنية القائمة عليها في التشريعات ذات العلاقة، وأخيرا نلقي الضوء على أهم ما تضمنته التشريعات الثانوية من نصوص لها علاقة بالتنظيم القانوني لهذا الموضوع.
بحيث تم تقسيم هذه الدراسة إلى ثلاثة محاور، وذلك على النحو الآتي:
المحور الأول: الإطار الدستوري لتنظيم الأجسام الوطنية في ظل القانون الأساسي الفلسطيني.
يعتبر القانون الأساسي الفلسطيني الإطار القانوني الرئيسي لإنشاء وتنظيم الأجسام الوطنية، وعليه فإننا سنحاول من خلال هذا المحور بيان المحددات والاعتبارات القانونية التي أشار إليها، فيما يتعلق بالتأسيس أو التنظيم أو الإدارة، بالإضافة إلى التنظيم المالي لمثل هذه الأجسام.
المحور الثاني: الإطار العام لحقوق الطفل والمؤسسات القائمة عليها في فلسطين.
يتطرق هذا المحور لدراسة الإطار العام للحقوق التي أقرت للطفل في اتفاقية حقوق الطفل، بالإضافة الى بيان الحقوق التي اقرها المشرع الفلسطيني للطفل، لنقف على رؤية المشرع الدولي في تعامله مع الطفل وحقوقه، لمعرفة مدى انسجام الحقوق التي اقرها المشرع الفلسطيني مع المشرع الدولي. بالإضافة إلى بيان دور المؤسسات الرسمية الفلسطينية التي تتعامل مع هذه الحقوق وتعمل على ضمان تنفيذها، وتحديد واجباتها القانونية فيما يتعلق بكفالة حقوق الطفل الفلسطيني والارتقاء بها، وذلك بتسليط الضوء على قانون الطفل الفلسطيني والقوانين الأخرى ذات العلاقة بعمل هذه المؤسسات، كي نتمكن أخيرا من وضع تصور عام لهيكلية الجسم الوطني المقترح إنشاءه، وطبيعة عمله بما يضمن إخراج حقوق الطفل من إطارها النظري إلى حيز التنفيذ.
المحور الثالث: المحددات القانونية في ظل التشريعات الثانوية.
تم في هذا المحور إلقاء الضوء على الأمور التنظيمية القانونية المتعلقة بموضوع الجسم الوطني لرعاية وحماية حقوق الطفل الفلسطيني في ظل التشريعات الثانوية الصادرة في أراضي السلطة الوطنية الفلسطينية.